موقف الإسلام من التعدد اللغوي و الثقافي


يعتبر التعدد اللغوي و الثقافي آية من آيات الله في أرضه. إذ  جعل لكل شعب لسانه و ثقافته تميزه عن باقي الشعوب. فكثيرا ما نسمع القوميين يربطون الإسلام باللغة العربية و يدعون بأن هذه الأخيرة لغة أهل الجنة و بالتالي يحاولون تقديم هذه اللغة على أنها لغة مقدسة و شريفة و ليست كباقي اللغات و لم يكتفوا بالقول بأن هذه اللغة سمتها  الخاصة هي حمل الرسالة السماوية بل تجاوزوا هذا الحد. و كأن الدين الإسلامي مقترن فقط باللغة العربية .  يعني إذا  أردت أن تكون مسلما  أو تعانق الإسلام يجب عليك أن تكون عربيا و أن تقدم اللغة  العربية  على لغتك الأم. و كأن اللغات الأخرى عاجزة عن تحمل الرسالة أو فهم الدين فهما صحيحا.ألم تساهم اللغة  الأمازيغية في نشر تعاليم الإسلام ؟ ألم يساهم الأمازيغ في نشر  الإسلام في بلاد تامازغا ؟ كثيرا ما تطرح تساؤلات عدة  كقبيل ما هو دور اللغة الأمازيغية ؟ و لما تعلمها ؟  فيقولون بأننا يجب أن نقدم اللغة العربية على لغتنا الأم و التي هي اللغة  الأمازيغية كي نفهم ديننا فهما صحيحا. و نحن نعلم بأن الإسلام في تجربته التاريخية لم يفرض على الشعوب الأخرى غير العربية اللغة العربية و لم يلزمها بتعلمها. فقد كان الدفاع عن اللغة  العربية و عن تعلمها و تعليمها مطلبا ذاتيا اختصت به بعض الشعوب و لم يلزمهم أحد  بذلك .  حيث  نجد أن الكثير من الشعوب - دخلت في الإسلام- إستهوتها القيم و الأخلاق الحميدة التي أتى بها الدين الإسلامي و ليست اللغة  العربية. و بالتالي فاستمرار الشعوب الأمازيغية المسلمة في التعلق بلسانها الأمازيغي يمكن اعتباره أكبر دليل على أنه ليس من شرط انتشار الإسلام القضاء على الثقافات و اللغات الأخرى.

القرآن الكريم

صحيح أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية و لا أحد يجادل في ذلك لكن السؤال المطروح هو لماذا لم يأتي بلغة أخرى ؟ الجواب بكل بساطة لأن الذي اختير لحمل الرسالة السماوية عربي اللسان. و لا ننفي بأن الرسالات السماوية الأخرى أتت بلغات أخرى مراعاة  للمخاطب أي حامل الرسالة. و بالتالي فليست اللغة العربية اللغة  الوحيدة التي حملت رسالة سماوية و هذا لا  يعني أيضا أن المسلم لا  يصح إسلامه إلا بهذه اللغة. لأن هدف هذه الرسالات كلها في نهاية المطاف هو  بناء إنسان صالح و ذلك بغرس القيم و الأخلاق و التعاليم الدينية  التي تحملها  هذه الرسالات . و على هذا الأساس، فإن هذه القيم يمكن تبليغها بأي لغة و الكل يدرك و يعي بأن إسلام الشخص يصبح واقعا بإعلانه عن الشهادتين، لأن إسلامه لا يتطلب لغة.و الله تعالى يقول : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر/ سورة البقرة‏: الآية185َ

 لذا فالقرآن الكريم ينص في العديد من آياته المحكمات على أن الحكمة الإلهية إقتضت أن يختلف الناس في كل شيء كما يدعو إلى الإعتصام بحبل الله.  يقول تعالى : وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ/الآية 103 من سورة آل عمران

فالإختلاف يتجلى في الرأي و اللغة و الثقافة وفي شتى الميادين كما نجد أيضا الاختلاف قائم منذ وجود الإنسان إلى يومنا هذا. فقد إختلف المسلمون في أزهى عصور الإسلام اختلافا شديدا ، و أول اختلاف تزامن مع وفاة النبي عليه الصلاة و السلام  مباشرة، بين المهاجرين و الأنصار. حيث  يقول تعالى:وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ/سورة هود آية رقم 118. يعني لو شاء الله لخلق الناس كلهم على نسق واحد . لذا شاء الله ألا يكون الناس  أمة واحدة ، فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين. و قوله تعالى :يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير/ سورة الحجرات الآية 13لذا فالغاية  من هذا الإختلاف كله ليس التناحر و الخصام و إنما هي التعارف و الوئام.
أيضا نجد قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ/  سورة الروم: الآية22 .إذن فمن خلال هذه الآية الكريمة  يتضح بأن الحكمة  الإلهية إقتضت أن يخلق الناس مختلفين لكل منهم طريق يسلكه و منهج يتبعه و لكل منهم لغة  و ثقافة معينة ، فلو  شاء الله لجعل الناس أمة واحدة و لجمعهم على لسان واحد و وحيد كما في الآية  السالفة. لأنه لا طعم للحياة لو كانت قائمة على الإئتلاف و عدم الإختلاف ، لذا فحكمته تعالى قضت أن يكون التنوع في كل ما خلق و ما  يؤكد أكثر أن القرآن مع التعدد و الإختلاف ورود مجموعة من الألفاظ الفارسية و الأمازيغية في القرآن الكريم.  فمن الألفاظ الأمازيغية نجد:
المهل: قوله تعالى : وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا
الأب : تعني الحشيش  بلغة الأمازيغ : قوله تعالى : و فاكهة و أبا.
آنية: أي حارة  بالأمازيغية : قوله تعالى : من عين آنية.
إناه : أي نضجه: قوله تعالى : إلا أن يوذن إلى طعام غير ناظرين إناه.
قنطار:قوله تعالى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ.
السنة النبوية

فالسنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني للعقيدة الإسلامية بعد القرآن الكريم، فلا يمكن أن تسير إلا على ما نص  عليه القرآن الكريم فهي تحاول شرح و تفسير القرآن أكثر. فمعظم الأحاديث النبوية التي صدرت عن الرسول صلى الله عليه و سلم في ما يخص التعدد اللغوي و الثقافي كانت خير دليل. يقول النبي عليه الصلاة و السلام: ما من أحد إلا و سيكلمه ربه ليس بينه و بينه ترجمان.
و قال أيضا : يا أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد و إن دينكم و احد و أن العربية ليست لكم أما و أبا ، كلكم لآدم و آدم من تراب، لا  فضل لأحد  إلا  بتقوى الله. كما نجد في خطبته صلى الله عليه و سلم المشهورة يقول : أيها الناس ألا إن ربكم واحد و أن أباكم واحد ، ألا لا  فضل لعربي على عجمي و لا  لعجمي على عربي، و لا أسود على أحمر  و  لا أحمر على أسود إلا بالتقوى . أحاديث  كثيرة كلها تدل على أن معيار و مقياس التفاضل بين الناس عند الله سبحانه و تعالى هو التقوى و ليس اللسان أو اللون أو النسب ، و في هذه إقرار للمساواة في الحقوق الإنسانية اللغوية و الثقافية.

إذن كل ما ذكر أعلاه يدل على أنه ليس هناك نص من القرآن أو السنة يدعو المسلم إلى نبذ لغته و تبني لغة أخرى.
و أقول للقوميين الذين يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام بتعصبهم للغة  العربية أن   الدفاع عن اللغات واللهجات المختلفة مطلبا إسلاميا بامتياز؛ فليس من أخلاق المسلم أن يترك مجموعة من اللغات والألسن تنقرض، بل المطلوب أن يحافظ على التنوع اللغوي عن طريق تطوير اللغات التي كتب لها البقاء، وإنقاذ تلك التي تقف على حافة الانقراض، وإحياء تلك اللغات التي لسبب أو لآخر انقرضت بالفعل.


Gallouj2959@hotmail.fr