أحوال المساجد عندنا
ــــ بقلم علي كلوج ــــــ
إنه يوم الجمعة ، لبست ثيابي متجها نحو المسجد ، لا أكاد أسمع غير قرع النعال في كل ناحية ، الكل يهرول لأداء الصلاة ، سكوت يخيم على المحيط ، دخلت المسجد كباقي المصلين في سكوت و خشوع حتى أخذت مكانا لي في إحدى الصفوف . صليت ركعتين كتحية المسجد في إنتظار الخطيب كي يؤدي الخطبة ، لفتت إنتباهي مجموعة من العبارات المكتوبة تحث الإنسان على إغلاق هاتفه ، وضع الحذاء في المكان المناسب ، النظافة من الإيمان ، ضع حذاءك أمامك تجنبا للسرقة . كل هذه العبارات تعرفك بالحالة التي وصل إليها المسجد ، قبل أن أنهي قراءة العبارات الأخرى المكتوبة قاطعتني رنات الهاتف هنا و هناك ، شاهدت بأمي عيني رجل يرن هاتفه دون أن يقفل المكالمة بل تركه يرن إلى أن إنتهت الرنة و أنا في دهشة و استغراب و تأمل في هذا البيت المقدس.

إنتظرت الخطبة ، فإذا بالخطيب يخطب و بعض المصلين نائمون ، بل أسمع شخير بعضهم ، و أنا أتساءل نفسي ما السبب الذي جعل هؤلاء ينامون ؟ هل الخطيب يتكلم بصوت خافت لا يسمع؟ أم أن الموضوع لم يجلب إنتباههم؟ يعني هو يتكلم في واد و هم في واد ، أم أن الخطبة لم يعد لها دور عند هؤلاء؟ أم تعب الدنيا تغلب عليهم ؟ قدمت عدة أسباب في نفسي و إلتمست لهم الأعذار.
صراحة، هناك بعض الخطباء الذين يتسببون في نوم هذا النوع من المصلين ، لأن الخطيب يجب أن يتكلم بصوت مسموع و بلغة بسيطة مفهومة حتى يتسنى للجميع الإستماع إليه و التفكر و التدبر في ما يقول. فيختار المواضيع المهمة و التي تهم المجتمع . بهذه الطريقة سوف يتلقى أذن صاغية و يجد من يسمع لصوته و إلا فسينام الجميع.

ما أدهشني أكثر هو عندما إنتهينا من الصلاة ، سبحان الله أتعجب ، تصورت ذلك المنظر ، الناس يهرولون و يتسابقون نحو الباب و كأن زلزالا ضرب المسجد ، ما زال صوت أرجلهم على خشب المسجد في أذني مسجلا . و عندما خرجت إندهشت أكثر لما يحدث عند باب المسجد. تخيلتها مظاهرة أو إضراب لأكتشف في النهاية بأنهم تجار محاطون بكل زاوية من المسجد يبيعون الخضر و الفواكه ، يرفعون أصواتهم و يهتفون بثمن منتوجاتهم ، متسولون هنا و هناك يطلقون أفواههم طلبا العون من المصلين و يمدون أيديهم ، متسولون من مختلف الجنسيات.
هذه أحوال مساجدنا التي كانت بالأمس بيوت يذكر فيها إسم الله و يعلم فيها الإنسان و يربى تربية حسنة و ينشأ فيها علماء و مفكرون ، أصبحت اليوم مكانا مهيء لسرقة الأحذية ، التسول ، التجارة ، رنات الهاتف بجميع أنواعها و ما خفي أعظم.